سورة البقرة كتابة الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل: في بيان ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعجزاته
قال الله -تعالى-: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 81].
وفي هذه الآية الكريمة إخبار عن أمر الله -تعالى- لنبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- بالدعوة إلى دينه، وبيان لما وعده الله -تعالى- به من النصرة والتأييد، وذلك أنّ الله -تعالى- أخذ ميثاق النبيين على الإيمان بنبيه -صلّى الله عليه وسلّم- ونصره، كما أخذ ميثاقهم على الإيمان بالكتب السماوية التي أنزلها الله -تعالى- عليهم، والحكمة التي شرحها لهم، فلمّا جاءهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مصدّقًا لما معهم من الكتب السماوية والحكمة، وجب عليهم الإيمان به ونصره، وقد أقرّوا بذلك وأخذوا على أنفسهم عهده وميثاقه.
وثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ» قال: فهي في الأنبياء، ثمّ قرأ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 123-124].
فصل: في بيان معجزات النبي -صلّى الله عليه وسلّم-
ومن معجزات النبي -صلّى الله عليه وسلّم- التي أظهرها الله -تعالى- على يديه شقّ القمر، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: شَقَّ القَمَرُ على عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ، فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا ههُنَا، وَكَانَتِ الأُخْرَى ههُنَا فَقَالَ: اشْهَدُوا.
ومن معجزات النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أيضًا إحياء الموتى، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أَحْيَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا قُتِلَ في سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَعْلَمَهُ بِفَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَقَالَ: ارْجِعْ فقاتِلْ حَتَّى تَقْتَلَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَقِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَبَشَّرَهُ بِمَا لَدَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْكَرَامَةِ.
ومن معجزات النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كذلك تكثير الطعام والشراب، فقد ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَكُنَّا لاَ نَذْبَحُ إِلَّا الْبُدْنَ، فَكُنَّا نَشْوِي الْجَذْعَ، فَيَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنَّا مَا يَشَاءُ، وَيَحْمِلُ مَا يَشَاءُ، فَكُنَّا نَجْعَلُ الْمُدَّ مِنْهُ فِي الْقِرْبَةِ، ثُمَّ نَشْرَبُ مِنْهَا أَسْبُوعًا، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ قُدِّرَ رِزْقُهُ، وَلَوْ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ».