السرداب ما لا يخطر على بال
أول ما تكلم به الرسول صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة
عندما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة المنورة، لم يكن ذلك مجرد انتقال جغرافي، بل كان حدثًا له عظيم الأثر في تاريخ الإسلام والمسلمين. فقد أسس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة دولة إسلامية، وأرسى قواعد المجتمع الإسلامي وأسسه، ودعا الناس إلى الإسلام ونشر رسالته السماوية. وباختصار، يمكن القول إن هجرة الرسول الكريم إلى المدينة المنورة كانت نقطة تحول في مسيرة الدعوة الإسلامية، إذ تمكن المسلمون من إقامة مجتمعهم الخاص الذي يتبع تعاليم الإسلام، وأصبح للمسلمين كيانهم المستقل.
وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
وصل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة في شهر ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة، بعد رحلة طويلة وشاقة، حيث كان يفر من بطش قريش في مكة، وكان يرافقه سيدنا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-. استقبل أهل المدينة النبوية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالترحاب والفرح، وكانوا قد سمعوا عنه وعن دعوته، وكانوا ينتظرون قدومه بشوق.
أول ما تكلم به الرسول صلى الله عليه وسلم عند وصوله المدينة
بعد أن دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة المنورة، توجه إلى مسجد قباء، الذي بني قبل وصوله بأيام قليلة. وبعد أن صلى فيه ركعتين، جلس على المنبر وقال: “يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام”. وقد كان هذا أول ما تكلم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما وصل إلى المدينة، وقد حث فيه على نشر السلام بين الناس، وإطعام الطعام للمحتاجين، وصلة الأرحام، وإقامة الصلاة في الليل، وقد وصف ذلك بأنها أفعال من شأنها أن تدخل صاحبها الجنة.
أخلاق الرسول الكريم
يتفق جميع من لاقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الصحابة وغيرهم على عظيم أخلاقه، وصفاته النبيلة، فقد كان دائمًا بشوشًا مبتسمًا، وحسن الخلق، متواضعًا، لا يتكبر على أحد، ولا يحتقر أحدًا. كما كان صبورًا كثيرًا، لا يغضب إلا لله عز وجل.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودودًا محبًا لأصحابه ولمسلمي المدينة، رغم أنهم لم يكونوا من قبيلته، فكان يجالسهم ويسامرهم ويكرمهم، وقد كان حريصًا على مساعدة من يحتاج منهم، وكان يشاركهم في أعمالهم، ويؤثرهم على نفسه، وكان الأخ الأكبر لهم والوالد الرحيم، والقائد الأمين.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحسن إلى أهل الذمة من اليهود والنصارى، ويعاملهم بالعدل والإنصاف، ويحفظ لهم حقوقهم، ويفي لهم بعهوده، وكان يحسن أيضًا إلى خدمه وأهله وممن حوله، حتى أنه كان يساعد عائشة -رضي الله عنها- في أعمال البيت، وكان يحلب شياهه ويخدم أهله، وكان يُصلح نعله ويخيط ثيابه.
بعض مواقف الرسول الكريم
اشتهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكثرة رحمته بالناس، فقد كان رحيما بهم يحب لهم ما يحب لنفسه، وكان لا يؤذي أحدًا، ولا يشتم أحدًا، وكان يعفو عمن ظلمه، ويدعو لهدايته، وفي هذا السياق نذكر بعض المواقف التي حدثت مع رسول الله:
فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا في المسجد ذات مرة إذ جاءه رجل فشتمه ولعنه، فلم يرد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء، فاستمر الرجل في شتمه واللعن، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يرد عليه حتى انتهى ثم قال: “يا فلان هل لك في الإسلام؟” فأسلم الرجل، وكان ممن فقه في الدين، فكان يقول: “والله ما أدري ما كنت أقول حين شتمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أشهد أنك رسول الله”.
وفي موقف آخر، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي فجاءه رجل فأخذ رداءه، ففر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولحق الرجل بردائه، فقالوا: “يا رسول الله لو دعوت عليه؟” فقال: “دعوه، فإني أرجو أن يهديه الله فيحسن إليكم”. ثم إن الرجل جاء بعد ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال له: “أسلمت يا رسول الله بأمرك وإذنك.”.
وفي موقف مشهور، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل مع أصحابه فضحك القوم، فلما سألهم عن سبب ضحكهم قالوا: “يا رسول الله، رأيناك تأكل لحمًا في بيتك ولحمًا في بيت عائشة، فظننا أنك تريد لحم أهل المدينة”. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما يكون لحم أهل المدينة إلا لحمي، وما يكون لحمي إلا لحم أهل المدينة”.
قصة سيدنا سلمان وأول لقاء له بالرسول الكريم
سلمان الفارسي -رضي الله عنه- من أشهر الصحابة الذين أسلموا بعد هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، وقد دخل الإسلام بعد رحلة طويلة من البحث عن الحق واليقين، وكان أول لقاء بينه وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
في مسجد قباء، وقد أبهره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخلقه وأخلاقه، وأسلم على الفور، وكان أحد الفقهاء والعلماء والمجاهدين في الإسلام، كما كان أحد الذين تولوا الخلافة الإسلامية بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أخوّة الأنصار والمهاجرين
فضل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، وأمرهم بالإخاء بينهم، وجعل لكل مهاجري أنصاري يؤاخيه، وكان ذلك من أسباب قوة المسلمين ومحبتهم وتآلفهم.
وآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين نفسه وبين سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، وكانت تلك من أعظم الأخوات، وأكثرها تآلفًا ومحبة.
كيف واجه الرسول صلى الله عليه وسلم أعدائه في المدينة؟
واجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة العديد من التحديات والمعارضين، وكان من أبرزهم المنافقون واليهود، فكان المنافقون يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وكانوا يتربصون بالمسلمين الدوائر.
وعمل اليهود على التحريض ضد المسلمين وبث الفرقة بينهم، وكانوا يثيرون الشبهات حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوته، ويحاولون إفساد ذات البين بين المسلمين.
تصدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأعدائه وأحبط مؤامراتهم بحكمة بالغة وصبر وصدق، وعمل على ترسيخ دعائم الدولة الإسلامية وتربية الصحابة وبناء المجتمع المسلم.
الدستور المدني في المدينة
وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دستور المدينة الذي يعتبر أول دستور مدني في التاريخ، وقد تضمن هذا الدستور مجموعة من القوانين والأنظمة التي تحكم حياة المسلمين واليهود في المدينة المنورة.
وقد تناول الدستور المدني العديد من الجوانب المهمة، مثل العلاقة بين المسلمين واليهود، وحقوق وواجبات المواطنين، ونظام القضاء والفصل في المنازعات، وغيرها من الأمور المهمة لتنظيم المجتمع المدني.
اتسم دستور المدينة بالعدل والمساواة، وقد كان أساسًا متينًا لقيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وأصبح نموذجًا يحتذى به في تنظيم المجتمعات المدنية.
الخاتمة
هكذا كانت أولى أيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، فقد وصلها مهاجرًا، وبدأ في بناء الدولة الإسلامية وتأسيس المجتمع المسلم، وقد تمكن الرسول –